close
قصص رائعة

قصَّة ترويها إحدى الفتيات الناجيات من دَرنَة

الجميع يلفظ كلمة التوحيد

الجميع يستغفر ويتوب من شدة ما رأى؟!
لم اهتم بأبي ولا أمي ولا أخوتي ..
نفسي الوحيدة كانت شغلي الشاغل!

{يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه،
لكل امرئٍ منهم شأن يُغنيه}
وأنا لي شأن يغنيني عن غيري
فإما جنة أو نار لا ثالث لهما!

ثلاث ساعات قضيناها تحت هذا الرعب
يعجز اللسان عن وصف مافيها من خوف ورجاء
أصبحت اصواتنا تعلو وتنادي

{يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي}
{يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي}
{يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي}

وكلنا بين ساجد ومتضرع يناجي ربه
{يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي}
فما رفعت رأسي من السجود إلا وسمعت

جارنا الذي يعلونا بطابق (منسوب المية قلّ ، منسوب المية قلّ)
أي منسوب المياه قلت.
فنحمد الله ونشكره ونسأله أن يسخر لنا من يأتي لإنقاذنا.
كبر المؤذن لصلاة الفجر

صلينا الفجر تحت المطر الخفيف
بكيت كثيرا لأنها كانت لأول مرة أصعد فيها سطح المنزل المكشوف جرأة دون خمار!

ناديت بأسماءه الحسنى وصفاته العلي أن يسترني دنيا وآخرة ، أن يرفع عنا البلاء أن يغفر لذنوبنا وتقصيرنا أن يشملنا بعفو منه وبر؛ أن يحسن خاتمتنا ، أن يتقبل منا كل صالحة ويغفر لنا كل زلة …

ناجيته بكل عمل صالح قدمته ، وتذكرت ذنوبي فاستحييت منها ومسني الخجل ،فسألته المغفرة وأن يعاملنا بما هو أهل له ولا يعاملنا بما نحن أهل له.

رب كريم ، أردد نِعم الربّ ربّي ..وبئس العبد أنا!
عصيتك جاهلا ياذا المعالي ففرج ما ترى من سوء حالي!
كان لدي يقين تام أنه مُنجينا بلا شكّ

وأنه خلف هذا البلاء حكمة ربانية وخير كبير.
لكني كنت خائفة من نفسي التي بين جنبي أكثر من أي شئ آخر!

خفت أن أكون ممن يذكر الله خالصآ وقت الشدة وينساه وقت الرخاء

فكانت تدور في ذهني كثيرا هذه الآيات :
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }
{وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ○فَلَمَّآ أَنجَاهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ}!

يا ويحَ نفسي إن هي عادت للتبذير والإسراف!
.•
أتممنا صلاة الفجر
انتظرنا الشروق
توقف المطر
منسوب المياه قل

الرياح توقفت
أردد اللهم دفئا وسلاما
اللهم لا غيم اللهم شمس مشرقة.

أشرقت الأرض بنور ربها؛ و سُجّل على أنه يوم عالمي
لم يُرى من قرون عدة.
نزلنا للسطح أسفل تنك المياه.
نظرت للاسفل؛ لشارعنا
فكان الدمار!

وكانت آية ربّي في قوم عاد حقا{ فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم}
فلم أرى حينها سوى بعض المساكن
ولم يسلم بيت واحد من الغريق والخراب
ذهبت سيارة أخي الفاخرة فوق الشجرة

 

وسيارات الجيران كل واحدة في مكان .
الأرض مليئة بالجثث والموتى

الطابق الأول من المنزل وُجد فيه جثتين لفتاتين شابتين!
وحمار المزرعة وخروف الجار ونخيل الشارع
كل البيوت تهدمت كل الممتلكات ضاعت ؛

السعيد الوحيد هو ذاك الذي رأى نفسه وأهله جنبه ولم يغرق أحد!
ذهب التعلق بالدنيا ، ذهب حب الدنيا وزينتها من قلبي ومن كل شئ.

المدينة تهدمت، الأحياء القريبة من الوادي الذي انفجر تهدمت بالكامل واستوت مع الأرض
كل شئ لونه بنيا كل شي طينيا!
خرجنا هاربين من منازلنا …لم اهتم بملابسي
المهم نقابي ولباسي الشرعي

اريد الستر لا أكثر .
سِرنا حُفاةً نصارع الأرض المبللة والطين
مررنا بجانب بيت جارنا الذي مات كل افراده بالكامل عدا الإبن الأكبر
دموع تذرف
قلب يرتجف

الحال لا يوصف
ودعنا كل شئ
ودعنا الأحياء والأموات
ودعنا الذكريات
ودعت غرفتي ونافذة غرفتي التي تطل على النباتات الخضراء
ودعت كتبي وأقلامي
وذكريات الطفولة

ودعت سَكَنِي ومسكني وملاذي الآمن
ودعت سجّادتي ومُصحفي ..
الآن لم يتبقى لي شئ !

تبقى لي القليل فقط ، ولم تنته الحكاية بعد ..
تبقى لي القليل من العمل الصالح وأهلي.
الآن اِنْتهت الحكاية، كُبِلت أجنحةُ العصَافير..
وأُسدل ستار المدينة والحيّ . .

ومن مات نجا ومن نجا مات ..
والحمد لله رب العالمين.
، اللهم أجرنا في مصيبتنا هذه واخلف لنا خيرآ منها
والحمد لله رب العالمين

 

إعصار دانيال درنة
١٠.سبتمبر ٢٠٢٣
كُتب:١٧ سبتمبر ٢٠٢٣
منقول من صفحة الأخت بشرى في ليبيا

الصفحة السابقة 1 2 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى